يشهد العالم اليوم تحولات عميقة على مستوى العناية ببناء القيم؛ والمتضرر الأول هو الإنسان الذي يراد له أن يتحرر من كل مقومات إنسانيته، ويحشر في حيز إتباع الهوى الموقع في الردى.
ولعل المدخل لتحقيق هذا التحرر هو التملص من كل مسؤولياته الأسرية.
وتعزيز انشغاله في حدود نفسه، والانخراط الكلي في تلبية احتياجاتها الذاتية بعيدا عن مقتضيات الالتزام الجماعي الذي يرتكز على المعاني الايجابية في هذه الحياة.
هذا الوضع حرك همم المصلحين في العالم إلى التنادي كل من موقعه لرد الاعتبار للأسرة والعمل على النهوض بها.
وجعلها أولوية ملحة في برامج الإصلاح الاجتماعي لأنها ببساطة المحضن الأساس الذي يتربى فيه الفردز
وفيها يتشرب قيم المودة والتراحم، ومنها يتلقى ما يعينه على الوفاء بالحقوق، والقيام بالواجبات، والحرص كل الحرص على الريادة في النفع العام لنفسه ولأهله ولمحيطه وللعالمين.
فبسبب إهمال مكانة الأسرة وموقعها في بناء المجتمع يعاني كثير من الأفراد مشكلات عميقة.
ليس أقلها فقد الإحساس بالانتماء الأسري، والركون للوحدة، ومعانقة آلام الفراق الروحي وأحيانا الجسدي لأن الإنسان اجتماعي بطبعه وإن مال إلى الانعزال.
وبما أن نهضة المجتمع تتوقف على استثمار وتوظيف قدرات أبنائه كافة؛ فإن المنطلق الأساس لذلك هو التنشئة الأسرية الواعية المؤسسة على تمتين ارتباط الفرد بأسرته، وقيام هذه الأسرة على أسس المودة والرحمة والتكامل والتعاون والإحسان...
إن قوام علاقة الأسرة بالمجتمع تحمل كل منهما المسؤولية تجاه الآخر؛ المجتمع يسعى ـ في شخص هيئاته ومؤسساته وقادته ـ إلى وضع برامج للتنمية الأسرية تضمن توطيد الروابط داخل الأسرة، وإحياء معاني القوة في حمل رسالة المجتمع والعمل بايجابية على خدمته، وصيانته من المخاطر التي قد تحدق به.
والأسرة بوصفها نواة للمجتمع تقوم على إخراج أفراد صالحين مصلحين، ذوي همم عالية، متسلحين بفكر ثاقب، وعزيمة قوية، ووفاء دائم للأسرة والمجتمع لا يصرف عنه تغير الأوضاع والأحوال، بل إن هذا التغير ينبغي أن يكون دعامة للتحمل، وداعية للإسهام في البناء مهما كانت الخطوب والصعاب.
الكاتب: د. محمد سالم إنجيه
المصدر: موقع المستشار